الذهب يسجل مستويات قياسية تاريخية بدعم من التوترات العالمية وتوقعات خفض الفائدة
تشهد أسواق المعادن النفيسة موجة صعود استثنائية منذ بداية العام، تصدّرها الذهب الذي واصل تسجيل مستويات قياسية غير مسبوقة، مدفوعًا بمزيج من العوامل الجيوسياسية والنقدية. ويعكس هذا الأداء تحوّلًا واضحًا في توجهات المستثمرين نحو الأصول الآمنة، في ظل تصاعد المخاطر العالمية وتزايد التوقعات بتيسير السياسة النقدية الأميركية خلال الفترة المقبلة.
أولًا: أداء الذهب وتسجيل مستويات قياسية
سجل الذهب مستوى قياسيًا جديدًا للمرة الخمسين منذ بداية العام، في مؤشر واضح على قوة الاتجاه الصاعد في السوق. وارتفع سعر الذهب في المعاملات الفورية إلى نحو 4467 دولارًا للأونصة، بعد أن لامس مستوى قياسيًا جديدًا خلال الجلسة، في حين تجاوزت العقود الآجلة للذهب مستوى 4500 دولار للأونصة، وهو مستوى تاريخي يعكس قوة الطلب الاستثماري.
وحقق الذهب مكاسب تقارب 70% منذ بداية العام، متجاوزًا حاجز 4400 دولار لأول مرة، وهو ما يعكس حالة من القلق العالمي المتزايد، إلى جانب تزايد الإقبال من البنوك المركزية على تعزيز احتياطياتها من المعدن الأصفر.
ثانيًا: العوامل الداعمة لارتفاع الذهب
جاء الارتفاع القوي في أسعار الذهب نتيجة عدة عوامل متداخلة، أبرزها:
- تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية على الساحة الدولية، ما عزز الطلب على الذهب كملاذ آمن.
- زيادة التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية خلال العام المقبل، وهو ما يدعم الأصول التي لا تدر عائدًا.
- استمرار مشتريات البنوك المركزية من الذهب بوتيرة مرتفعة، في إطار تنويع الاحتياطيات وتقليل الاعتماد على العملات التقليدية.
- تنامي المخاوف المرتبطة بأسواق الطاقة والعقوبات الجيوسياسية، ما عزز حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية.
ثالثًا: أداء الفضة والمعادن النفيسة الأخرى
لم يقتصر الأداء القوي على الذهب فقط، إذ واصلت الفضة تسجيل مستويات قياسية جديدة، لترتفع إلى نحو 69.15 دولارًا للأونصة، بعد أن بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 69.44 دولارًا. وحققت الفضة مكاسب استثنائية بلغت نحو 140% منذ بداية العام، متفوقة بذلك على الذهب، في ظل الطلب الصناعي والاستثماري المتزايد.
كما سجل البلاتين ارتفاعًا ملحوظًا ليصل إلى نحو 2143 دولارًا للأونصة، وهو أعلى مستوى له في أكثر من 17 عامًا، في حين ارتفع البلاديوم إلى نحو 1784 دولارًا للأونصة، مسجلًا أعلى مستوى له في قرابة ثلاث سنوات، ما يعكس تحسن الطلب على المعادن المستخدمة في الصناعات التحويلية والسيارات.
رابعًا: العلاقة بين أسعار الفائدة والمعادن النفيسة
تُظهر تطورات السوق أن المعادن النفيسة، وعلى رأسها الذهب، تستفيد بشكل مباشر من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. ومع تزايد التوقعات باتجاه السياسة النقدية الأميركية نحو مزيد من الخفض خلال الفترة المقبلة، تتعزز جاذبية الذهب كأداة للتحوط، خاصة في ظل تراجع العائد الحقيقي على الأصول المالية الأخرى.
تعكس المستويات القياسية التي سجلها الذهب والمعادن النفيسة الأخرى تحوّلًا استراتيجيًا في سلوك المستثمرين عالميًا، في ظل تصاعد المخاطر الجيوسياسية وتزايد الضبابية الاقتصادية. ومع استمرار توقعات خفض أسعار الفائدة، وارتفاع الطلب من البنوك المركزية، تبدو المعادن النفيسة مرشحة لمواصلة أدائها القوي، مع بقاء الذهب في صدارة الأصول الآمنة خلال المرحلة المقبلة.







