استقرار التضخم في منطقة اليورو يعزز توجه البنك المركزي الأوروبي لتثبيت أسعار الفائدة
يعكس استقرار معدلات التضخم في منطقة اليورو خلال شهر نوفمبر تطورًا مهمًا في مسار السياسة النقدية الأوروبية، لا سيما في ظل سعي البنك المركزي الأوروبي لتحقيق توازن دقيق بين كبح الضغوط التضخمية ودعم النمو الاقتصادي. وتأتي أحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الأوروبي «يوروستات» لتؤكد استمرار انحسار الضغوط السعرية واقتراب التضخم من مستواه المستهدف.
تطورات التضخم في نوفمبر:
أظهرت البيانات النهائية أن معدل التضخم السنوي في منطقة اليورو استقر عند 2.1% خلال شهر نوفمبر، دون تغيير عن الشهر السابق. ويُعد هذا المستوى قريبًا جدًا من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2%، ما يعكس نجاح السياسة النقدية التقييدية التي اتُبعت خلال العامين الماضيين.
وقام مكتب «يوروستات» بمراجعة تقديره الأولي الذي كان قد أشار إلى ارتفاع التضخم إلى 2.2%، وذلك نتيجة انخفاض طفيف في أسعار المواد الغذائية غير المصنعة، إلى جانب تراجع أسعار السلع المصنعة باستثناء الطاقة مقارنة بالتقديرات الأولية.
التضخم الأساسي ودلالاته:
استقر التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الطاقة والغذاء ويُعد المؤشر الأكثر متابعة من قبل صناع السياسات، عند 2.4% دون تغيير. ويشير هذا الاستقرار إلى أن الضغوط التضخمية الهيكلية لا تشهد تسارعًا جديدًا، وهو ما يدعم الرؤية القائلة بأن مسار التضخم أصبح أكثر استدامة وأقل تأثرًا بالصدمات المؤقتة.
انعكاسات البيانات على السياسة النقدية:
تعزز هذه الأرقام التوقعات السائدة في الأسواق بشأن اتجاه البنك المركزي الأوروبي إلى الإبقاء على أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير خلال اجتماعه المرتقب. ومن المرجح أن يواصل البنك سياسة التثبيت، ممددًا بذلك فترة التوقف التي بدأت خلال الصيف، مع بقاء سعر الفائدة على الودائع عند مستوى 2% منذ يوليو الماضي. ويأتي هذا التوجه بعد مرحلة طويلة من التشديد النقدي، أعقبتها دورة من خفض أسعار الفائدة استمرت مع تراجع التضخم بشكل واضح.
السياق التاريخي لمسار التضخم:
شهدت منطقة اليورو تراجعًا كبيرًا في معدلات التضخم مقارنة بذروته التاريخية التي بلغت 10.6% في أكتوبر 2022، خلال أزمة الطاقة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا. ومع انحسار آثار تلك الأزمة وعودة الاستقرار النسبي لأسعار الطاقة وسلاسل الإمداد، تمكن التضخم من العودة تدريجيًا إلى مستويات قريبة من الهدف. وبفضل هذا التحسن، أقدم البنك المركزي الأوروبي على خفض أسعار الفائدة الرئيسية ثماني مرات خلال الفترة من يونيو 2024 وحتى يونيو 2025، في محاولة لدعم النشاط الاقتصادي دون إعادة إشعال الضغوط التضخمية.
يعكس استقرار التضخم في منطقة اليورو عند مستويات قريبة من المستهدف مرحلة جديدة من التوازن في السياسة النقدية الأوروبية. وفي ظل غياب مؤشرات على تسارع تضخمي جديد، تبدو خيارات البنك المركزي الأوروبي مائلة نحو تثبيت أسعار الفائدة ومراقبة التطورات الاقتصادية عن كثب. ومن شأن هذا النهج أن يوفر قدرًا أكبر من الوضوح للأسواق ويعزز الاستقرار المالي خلال المرحلة المقبلة، مع استمرار التحديات المرتبطة بالنمو والظروف الجيوسياسية العالمية.





