الصين تواصل تعزيز احتياطيات الذهب للشهر الثالث عشر وتعرض خدمات التخزين للبنوك المركزية الأجنبية
تشهد الصين خلال العام 2025 توسعًا ملحوظًا في استراتيجيتها المتعلقة بالاحتياطيات الذهبية، في خطوة تعكس رغبتها في تعزيز مكانتها داخل النظام المالي العالمي وتقليل اعتمادها على الدولار. ويأتي هذا في سياق تحولات كبرى في أسواق الذهب العالمية وتزايد توجه الدول نحو تنويع احتياطاتها بعيدًا عن العملات الرئيسية، خاصة في ظل اتساع نطاق العقوبات المالية التي تعتمد على الدولار واليورو.
تعزيز احتياطيات الذهب:
أعلن البنك المركزي الصيني عن تسجيل زيادة جديدة في احتياطياته من الذهب للشهر الثالث عشر على التوالي، حيث قام بشراء نحو 30 ألف أونصة إضافية خلال الشهر الماضي، ليرتفع إجمالي ما يمتلكه من الذهب إلى مستوى 74.12 مليون أونصة. وتعكس هذه الزيادة المتواصلة سعي الصين لتقوية مركزها في سوق الذهب العالمية، وحماية اقتصادها من تقلبات أسعار العملات الأجنبية.
وإلى جانب توسعها في الشراء المباشر، بدأت الصين في تقديم خدمات جديدة للبنوك المركزية الأجنبية، حيث عرضت عليها إمكانية تخزين جزء من احتياطاتها الذهبية داخل الصين. وتمثل هذه الخطوة تحولًا مهمًا، إذ تُظهر رغبة الصين في لعب دور أكبر كمركز عالمي لتخزين الذهب وكتعزيز إضافي لثقة الدول في بنيتها المالية.
يأتي ذلك في وقت يواصل فيه الذهب الحفاظ على مكاسبه فوق مستوى 4000 دولار للأونصة، رغم التراجع عن ذروة أكتوبر الماضي، وهو اتجاه يدعم توقعات تسجيل أفضل أداء سنوي للمعدن الأصفر منذ عام 1979. وقد شجعت هذه القفزات السعرية العديد من الدول على دعم احتياطاتها الذهبية خلال السنوات الخمس الماضية، خاصة مع تصاعد المخاطر الجيوسياسية والعقوبات الاقتصادية. وكانت الصين على رأس هذه الدول، حيث قلّصت جزءًا كبيرًا من استثماراتها في أذون الخزانة الأميركية، وأضافت ما يقرب من 331.3 طن من الذهب إلى احتياطاتها.
موقع الصين في السوق العالمية للذهب: ورغم هذه الزيادات، ما زالت الولايات المتحدة ودول أوروبا تستحوذ على أكثر من 60% من إجمالي الذهب الاحتياطي في العالم. ويبلغ حجم الذهب المملوك من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وحده أكثر من تريليون دولار، وهو ما يعكس الفجوة الكبيرة بين مراكز القوة المالية العالمية، رغم التحركات الصينية المتسارعة في هذا المجال.
ارتفاع محدود في احتياطيات النقد الأجنبي: وبالتوازي مع تعزيز احتياطيات الذهب، سجلت الصين ارتفاعًا طفيفًا في احتياطاتها من العملات الأجنبية، حيث بلغت 3.3464 تريليون دولار بنهاية نوفمبر 2025، بزيادة قدرها 3 مليارات دولار أو ما يعادل 0.09% مقارنة بشهر أكتوبر الماضي. وأرجعت الهيئة الوطنية للنقد الأجنبي هذه الزيادة إلى تأثير مشترك لعمليات تحويل العملات وتغير أسعار الأصول العالمية.
وشهد مؤشر الدولار الأميركي تراجعًا خلال نوفمبر نتيجة عوامل متعددة تتعلق بالبيانات الاقتصادية وتوقعات السياسة النقدية في الاقتصادات الكبرى، بينما اتسمت أسعار الأصول المالية العالمية بحركة مختلطة بين الارتفاع والانخفاض. ورغم التغيرات المستمرة في الأسواق، أكدت الهيئة أن الصين لا تزال في وضع اقتصادي قوي يسمح لها بالحفاظ على استقرار احتياطياتها من النقد الأجنبي، مدعومة بنمو اقتصادي مستقر وقاعدة تصديرية قوية.
يوضح الأداء الأخير لكل من احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية أن الصين تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز مرونتها المالية وتنويع مصادر أمانها الاقتصادي. فالزيادات المتواصلة في حيازة الذهب، إلى جانب عرض خدمات تخزينه للدول الأخرى، تؤكد رغبة الصين في لعب دور أكبر في النظام المالي العالمي، بينما يساهم استقرار احتياطيات النقد الأجنبي في دعم قدرتها على مواجهة الصدمات الخارجية. وفي ظل التوترات الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة، تبدو الصين مصممة على ترسيخ موقعها كقوة مالية عالمية تمتلك أدوات حماية فعالة لاقتصادها واستقرارها المالي.




