رئيس التحرير
محمد صلاح
الأخبار

مسار الفائدة الأمريكية يدخل مرحلة اضطراب غير مسبوقة مع اقتراب اجتماع ديسمبر

الفدرالي الأمريكي
الفدرالي الأمريكي

تشهد السياسة النقدية الأمريكية مرحلة فارقة تعد من الأكثر حساسية منذ عقود؛ إذ يتقاطع الوضع الاقتصادي المتقلب مع ضغوط سياسية مباشرة يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يطالب بخفض حاد في أسعار الفائدة خلال العام المقبل، وفي ظل تلك الظروف، يستعد الاحتياطي الفدرالي لاجتماعه الحاسم في ديسمبر وسط أجواء تزداد فيها الانقسامات الداخلية حول اتجاه السياسة القادمة.

الزراعي سبتمبر

 

توتر اقتصادي وتداخل سياسي

يأتي هذا المشهد المعقد في وقت يواجه فيه الاقتصاد الأمريكي تحديات ضاغطة تشمل تأخر البيانات الاقتصادية نتيجة الإغلاق الحكومي، وتباين واضح بين مؤشرات سوق العمل ومعدلات التضخم؛ هذا التباين جعل مهمة تقييم الوضع الاقتصادي أكثر تعقيدا أمام صناع القرار، فيما تراهن الأسواق على خفض قوي للفائدة لدعم النمو، مقابل اتجاه داخل الفدرالي يحذر من المخاطر التضخمية المحتملة.

 

ورغم توقعات ترامب بأن التغيير المرتقب في قيادة الفدرالي في مايو 2026 قد يفتح الباب أمام مزيد من التخفيضات، إلا أن الانقسام داخل لجنة السوق المفتوحة يشير إلى أن تغيير الرئيس وحده لن يكون كافيا لتحقيق ذلك، خاصةً مع تزايد المخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي.

 

2026 عام الاختبار الحقيقي

تقارير أمريكية تُظهر أن العام 2026 قد يشهد مرحلة جديدة من اتخاذ القرارات داخل الفدرالي عبر تصويتات متقاربة وغير تقليدية، في ظل تراجع التوافق الداخلي الذي تميزت به قرارات البنك خلال العقود الماضية.

ومن المتوقع أن تظل الانقسامات قائمة حتى العام المقبل، ما يخلق بيئة نقدية تتسم بغياب اليقين وتعدد الاتجاهات داخل المجلس.

 

انقسامات ديسمبر بين الخفض والتوقف

محضر اجتماع أكتوبر للفدرالي كشف بصورة واضحة اتساع فجوة الرؤى بين أعضاء اللجنة حول خفض الفائدة في ديسمبر؛ فبينما يدعم بعض الأعضاء خفضا إضافيا، يرى آخرون أن استمرار التضخم والمشهد الاقتصادي غير المكتمل يفرضان مزيدا من الحذر، وتعقد هذه الانقسامات غياب بعض البيانات الأساسية، مثل تقرير الوظائف لشهر أكتوبر الذي لم يصدر نتيجة الإغلاق الحكومي.

التصويت الأخير داخل اللجنة يعكس هذه الحالة، حيث صوت عضو نحو خفض أكبر بمقدار 0.5%، بينما دعى آخرون إلى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، ويؤشر ذلك إلى تراجع التقليد المعروف داخل الفيدرالي بالقرارات شبه الموحدة.

 

ثلاثة تيارات تشكل مستقبل الفائدة

التحليلات المتخصصة تظهر بروز ثلاثة تيارات رئيسية داخل الاحتياطي الفدرالي:

  • تيار الصقور: يرى أن خفض الفائدة حاليا يمثل مخاطرة قد تعيد إشعال الضغوط السعرية.
  • تيار الحمائم: يخشى من أن تأجيل الخفض قد يدفع الاقتصاد نحو الركود في ظل بوادر الضعف في سوق العمل.
  • تيار وسطي: يفضل التريث ومراقبة البيانات عن كثب قبل أي قرار.

 

هذه الانقسامات تفاقمت بسبب نقص البيانات المحدثة والمشكلات الفنية في التقارير الاقتصادية، ما أدى إلى تراجع الرهانات على سلسلة من التخفيضات السريعة التي كانت تتوقعها الأسواق.

 

خفض محدود للفائدة العام المقبل

التقديرات الحالية تشير إلى أن السيناريو الأكثر واقعية للعام المقبل يتجه نحو خفض محدود ومتباعد للفائدة، ربما في خطوة أو خطوتين فقط، وهو ما يتعارض مع التوقعات السابقة بالتيسير القوي.

كما أن التغييرات المالية المحتملة، ومن بينها إجراءات تجارية أو زيادة الإنفاق الحكومي، قد تزيد من صعوبة مهمة الفدرالي في السيطرة على التضخم.

الفدرالي يقف اليوم أمام مفترق طرق غير مسبوق، يتداخل فيه الاقتصادي مع السياسي، وتتقدم فيه الاعتبارات التضخمية في مواجهة ضغوط الأسواق.

ومن الواضح أن الطريق نحو فائدة منخفضة لن يكون سهلا، بل يظل رهنا ببيانات اقتصادية واضحة تقنع الأطراف المتباينة داخل المجلس بضرورة التحرك في اتجاه واحد.

ومع استمرار الانقسامات حتى 2026، تبقى السياسة النقدية الأمريكية في مرحلة تتطلب حذرا استثنائيا، وقرارات تُصاغ ضمن سياق معقد لم يعهده الفيدرالي منذ عقود.

اعرف / قارن / اطلب