رئيس التحرير
محمد صلاح
الأخبار

تحذير باول... هل يقلقه التضخم والوظائف؟

هل الموضوع مفيد؟
شكرا

في تحول لافت بمسار السياسة النقدية الأمريكية، أقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.75% و4%، في خطوة تهدف إلى دعم الاقتصاد بعد مؤشرات على تباطؤ في سوق العمل. إلا أن تصريحات رئيس المجلس، جيروم باول، حملت نبرة حذرة أثارت الشكوك حول إمكانية استمرار دورة التيسير النقدي خلال اجتماع ديسمبر المقبل.

الزراعي سبتمبر

فعلى الرغم من أن القرار تزامن مع إنهاء برنامج التشديد الكمي لتعزيز السيولة في الأسواق، إلا أن لهجة باول المترددة كشفت عن انقسام واضح داخل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، خصوصاً في ظل نقص البيانات الاقتصادية بسبب الإغلاق الحكومي الأمريكي، مما زاد من حالة عدم اليقين بشأن المسار الاقتصادي في الفترة المقبلة.

الاقتصاد بين التضخم والتوظيف

أشار بيان الفيدرالي إلى أن النشاط الاقتصادي الأمريكي يتوسع بوتيرة معتدلة، وأن سوق العمل بدأ يُظهر علامات ضعف مع تباطؤ وتيرة خلق الوظائف وارتفاع معدل البطالة إلى 4.3%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2021. رغم ذلك، لا تزال نسبة البطالة منخفضة تاريخياً. في المقابل، لا يزال التضخم مرتفعاً فوق المستوى المستهدف البالغ 2%، إذ بلغ نحو 3% في سبتمبر مدفوعاً بارتفاع أسعار الطاقة وبعض السلع الاستهلاكية. هذا الوضع المزدوج يضع الفيدرالي أمام مأزق الموازنة بين استقرار الأسعار ودعم التوظيف الكامل.

تحذير باول: الحذر في مواجهة المجهول

خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب الاجتماع، شدد باول على أن خفض الفائدة في ديسمبر "ليس أمراً مفروغاً منه"، مؤكداً أن اللجنة لم تتخذ بعد قراراً بشأن الخطوات المقبلة. تصريحات باول فسّرها المحللون على أنها تحذير للأسواق من التفاؤل المفرط بشأن التيسير النقدي، في ظل بيانات اقتصادية غير مكتملة بسبب توقف مؤشرات رئيسية مثل الرواتب ومبيعات التجزئة.

ويرى خبراء الاقتصاد أن لهجة باول تميل إلى التريث وعدم اتخاذ قرارات مسبقة، إذ يريد الفيدرالي التأكد من مسار الاقتصاد الفعلي قبل المضي قدماً في أي خفض جديد للفائدة.

مخاوف التضخم والوظائف

أكد الخبير الاقتصادي الدكتور زياد عربش أن تصريحات باول "تعكس نهجاً حذراً يعتمد على مراقبة التطورات الاقتصادية بدلاً من الالتزام المسبق بخطة خفض الفائدة"، موضحاً أن القلق من التضخم لا يزال قائماً لأنه يمثل عائقاً أمام أي تيسير نقدي مبكر. كما أشار إلى أن بيانات التوظيف لا تزال غير مستقرة، مما يجعل من الصعب تقييم الوضع الحقيقي لسوق العمل في الوقت الراهن.

في السياق ذاته، أوضح طارق الرفاعي، الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية"، أن الاقتصاد الأمريكي "ينمو بوتيرة معتدلة" وأن التضخم المرتفع نسبياً (3%) لا يمنح الفيدرالي مساحة كافية لمواصلة خفض الفائدة، خصوصاً مع بوادر ضعف سوق العمل وارتفاع البطالة تدريجياً.

الإغلاق الحكومي يزيد الضبابية

يُضاف إلى هذه التحديات تأثير الإغلاق الحكومي المستمر، الذي أدى إلى تعليق نشر العديد من البيانات الاقتصادية، ما يجعل الفيدرالي "يتحرك في الظلام" وفق تعبير بعض الخبراء. ويتوقع أن يؤدي استمرار الإغلاق إلى زيادة البطالة وتراجع الاستهلاك مع مرور الوقت، ما قد يفرض على الفيدرالي إعادة النظر في سياساته بنهاية العام.

بين الحذر والاستعداد

في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن باول يسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين دعم النمو وكبح التضخم، مع الإبقاء على خيار خفض الفائدة مفتوحاً ولكن مشروطاً بوضوح البيانات القادمة. التحذير الصادر عنه لا يعني وقف دورة الخفض نهائياً، بل تجميدها مؤقتاً حتى تتضح الصورة الاقتصادية بالكامل.

تحذير باول يعكس قلقاً مزدوجاً من استمرار التضخم وضعف سوق العمل في وقت واحد. الرسالة الضمنية هي أن الفيدرالي لن يتسرع في قراراته، وأن السياسة النقدية المقبلة ستعتمد على البيانات الفعلية وليس التوقعات. وبذلك، يبقى الاقتصاد الأمريكي عند مفترق دقيق بين استمرار الحذر أو العودة إلى مزيد من الخفض في حال تأكد التباطؤ الاقتصادي مع نهاية العام.

هل الموضوع مفيد؟
شكرا
اعرف / قارن / اطلب