الاحتياطي الفيدرالي أمام اختبار التوازن بين خفض الفائدة ومخاطر التضخم في 2025



يدخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مرحلة حاسمة من مسار سياسته النقدية خلال ما تبقى من عام 2025، وسط توقعات متنامية بأن يشهد العام الحالي ثلاث خطوات متتالية لخفض أسعار الفائدة، تبدأ في سبتمبر وتستكمل في أكتوبر وديسمبر. هذه التوقعات لا تأتي من فراغ، بل تستند إلى مزيج معقد من المؤشرات الاقتصادية، والضغوط السياسية، والمتغيرات التجارية التي تعيد رسم ملامح المشهد المالي في الولايات المتحدة.
على صعيد سوق العمل، أظهرت البيانات الأخيرة ضعفاً ملحوظاً، حيث ارتفع معدل البطالة إلى 4.2%، في حين تباطأ متوسط نمو الوظائف الشهرية إلى 35 ألف وظيفة فقط خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو مستوى أدنى بكثير من الحد الذي يراه الاقتصاديون ضرورياً للحفاظ على استقرار سوق العمل. هذه الأرقام عززت قناعة شريحة واسعة من المراقبين بضرورة تحرك الفيدرالي نحو تخفيف السياسة النقدية لتفادي تفاقم التباطؤ الاقتصادي.
لكن في المقابل، يقف التضخم كعامل معقد وحاسم في معادلة القرار. فالرسوم الجمركية التي أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرضها هذا الشهر على واردات واسعة النطاق قد تشكل ضغوطاً جديدة على الأسعار، خصوصاً في السلع الاستهلاكية والخدمات. ورغم أن البيانات الحالية لا تشير إلى قفزة فورية في معدلات التضخم، فإن التأثيرات المتوقعة قد تظهر بوضوح في أرقام سبتمبر، ما يجعل الفيدرالي أمام معضلة مزدوجة: التحرك لخفض الفائدة لدعم النمو، أو التريث خشية إعادة إشعال موجة تضخمية جديدة.
التباين في الرؤى داخل أروقة الفيدرالي يعكس هذه المعضلة؛ فهناك اتجاه يدعو إلى خفض تدريجي للفائدة بثلاث خطوات متساوية بمقدار 25 نقطة أساس لكل منها، مستنداً إلى أن المخاطر على التوظيف والنمو باتت أكثر وضوحاً، وأن التضخم ما زال قريباً من المستويات المستهدفة. في المقابل، يتمسك فريق آخر بضرورة التحفظ حتى تتضح الصورة الكاملة لتأثيرات الحرب التجارية، محذراً من أن أي خفض متسارع قد يفقد الفيدرالي القدرة على كبح الأسعار إذا ما بدأت بالارتفاع مجدداً.
المؤسسات المالية العالمية، ومنها بنوك الاستثمار الكبرى، ترجح السيناريو القائل بأن سبتمبر سيكون نقطة الانطلاق لمسار الخفض، تليه تخفيضات في أكتوبر وديسمبر، مع بقاء الباب مفتوحاً لاحتمال تنفيذ خفض أكبر يصل إلى 50 نقطة أساس إذا تدهورت المؤشرات الاقتصادية بشكل مفاجئ. هذه التوقعات تمنح الأسواق زخماً إيجابياً على المدى القصير، لكنها في الوقت ذاته تعكس هشاشة الوضع الاقتصادي الأميركي في مواجهة أي صدمات جديدة.
ومع اقتراب الاجتماعات الثلاثة الحاسمة للفيدرالي، تبقى كل الأنظار معلقة على بيانات التضخم والتوظيف المقبلة، والتي ستحدد إن كان عام 2025 سيُسجل كعام التحول نحو سياسة نقدية أكثر تيسيراً، أم أن المخاوف من التضخم ستبقي البنك المركزي في وضعية الحذر، ليبقى الترقب سيد الموقف حتى اللحظة الأخيرة.