رئيس التحرير
محمد صلاح
الأخبار

الأصول الأكثر استفادة من التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط

هل الموضوع مفيد؟
شكرا

 


في خضم تصاعد التوترات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط بين قوى فاعلة مثل إيران وإسرائيل، بدأت الأسواق المالية العالمية في إظهار استجابة مباشرة لتصاعد المخاطر الجيوسياسية، حيث شهدت تحولات ملحوظة في سلوك المستثمرين، وتزايد الإقبال على الأصول التي تُعرف تاريخيًا بقدرتها على الصمود خلال الأزمات. ومع استهداف منشآت حيوية للطاقة وتصاعد التهديدات المتعلقة بإمدادات النفط، ارتفعت درجات الحذر في الأسواق، وانتقلت السيولة إلى أدوات تُعد أكثر أمانًا في أوقات عدم اليقين.

تاريخيًا، تميل الأسواق خلال مثل هذه الفترات إلى إعادة توجيه استثماراتها نحو أصول محددة تمتاز بكونها ملاذات آمنة أو أصول استراتيجية تستفيد مباشرة من تصاعد المخاطر. وسيركز هذا التقرير على تحليل الأداء الراهن لثلاثة من أبرز هذه الأصول: الذهب، النفط، والعملات المشفرة، مع تقييم أسباب تحركها وسلوك المستثمرين تجاهها في ظل الظروف الحالية.

الذهب: استمرار الهيمنة في زمن الأزمات

أثبت الذهب، مرة تلو الأخرى، أنه الخيار الأول للمستثمرين الباحثين عن الحماية في أوقات الاضطراب. ارتفاع أسعاره مؤخرًا تجاوز 3400 دولار للأونصة، مدفوعًا بتزايد القلق العالمي من اتساع رقعة الصراع العسكري في الشرق الأوسط، وتراجع الثقة في الأصول عالية المخاطر. يُنظر إلى المعدن الأصفر كأداة تحفظ القيمة بعيدًا عن تقلبات العملات والسياسات النقدية، خصوصًا مع ضعف الدولار وتزايد التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة الأميركية.

تُظهر المؤشرات أيضًا أن الشراء المؤسسي، خاصة من البنوك المركزية، يضطلع بدور رئيسي في دعم الأسعار، مما يعزز النظرة الإيجابية على المدى المتوسط. كما تسجل مؤشرات التقلب والخوف (مثل VIX) ارتفاعًا، وهو ما يتماشى عادة مع صعود الذهب في فترات الاضطراب السياسي والأمني. وتُرجح التوقعات استمرار الاتجاه الصعودي للذهب، حيث تضع مؤسسات مالية كبرى سقفًا سعريًا مستهدفًا يتراوح بين 3700 و4000 دولار للأونصة خلال العامين المقبلين، ما يعكس تعاظم أهمية الذهب كأصل تأميني عالمي.

النفط: حساسية مفرطة أمام مخاطر الإمدادات

كأحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد العالمي، يتفاعل النفط سريعًا مع أي تهديد محتمل لسلاسل التوريد، خاصة إذا كان مصدره منطقة الخليج العربي. الموجة الحالية من التصعيد العسكري طالت منشآت نفطية حيوية، وترافقت مع تهديدات مباشرة بإغلاق مضيق هرمز، الممر البحري الذي يمرّ عبره نحو خُمس شحنات النفط العالمية. في هذا السياق، سجلت أسعار خام برنت مكاسب أسبوعية تجاوزت 11%، ولامست مستويات تُشير إلى وجود قلق حقيقي من نقص المعروض.

الارتفاع السريع للأسعار لا يُعزى فقط إلى نقص فعلي في الإنتاج، بل إلى موجة من المضاربات واسعة النطاق، يغذيها احتمال انقطاع الإمدادات أو تضرر المنشآت الإنتاجية الكبرى في المنطقة. ومع تعاظم أهمية أمن الطاقة، تتحول الأسواق إلى مراقبة دقيقة لأي تطور قد يغير خريطة الإمداد، خصوصًا مع تصاعد التوتر بين قوى تمتلك قدرات حقيقية على التأثير في السوق، سواء عبر التهديدات المباشرة أو العمليات العسكرية الفعلية.

العملات المشفرة: بين الترقب والتقلب

رغم تنامي الاهتمام العالمي بها، لم تثبت العملات المشفرة حتى الآن قدرتها على منافسة الذهب كملاذ آمن خلال الأزمات الجيوسياسية. ومع بداية التصعيد العسكري، تعرضت العملات الرقمية لتراجع ملحوظ، وعلى رأسها البيتكوين، مما أظهر اعتمادها الكبير على المزاج الاستثماري المرتبط بأسهم التكنولوجيا. لا تزال هذه الفئة من الأصول تُعد أكثر عرضة للتقلبات، ويصعب التنبؤ بسلوكها على المدى القصير، نظرًا لارتباطها بأحداث السوق العامة أكثر من ارتباطها بحسابات الخطر الكلاسيكية.

المستثمرون الذين يتوجهون نحو الأصول الرقمية خلال الأزمات ينتمون في الغالب إلى فئات عمرية شابة تبحث عن أدوات بديلة خارج النظام المالي التقليدي. ومع دخول مؤسسات استثمارية كبرى إلى هذا القطاع، تزايد حجم التداول المؤسسي، إلا أن الطابع المضاربي لا يزال حاضرًا بقوة. وتُشير التحليلات إلى أن العملات المشفرة، رغم نموها، لم تُقنع بعد المستثمر التقليدي بقدرتها على حماية رأس المال خلال فترات عدم اليقين.

تشكل التوترات الجيوسياسية قوة دافعة قوية لإعادة ترتيب الأولويات الاستثمارية في الأسواق العالمية. ومع تصاعد الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، يتزايد الإقبال على الأصول التي أثبتت مرونتها وقدرتها على حماية القيمة في أوقات الخطر. يحتفظ الذهب بموقعه التاريخي كأكثر الأصول أمانًا واستقرارًا، بينما يتفاعل النفط مباشرة مع تطورات المنطقة، في ظل ارتباطه الجغرافي والسياسي بإمدادات الطاقة العالمية. أما العملات المشفرة، فلا تزال تتحرك بين حدود الأمل والتقلب، وتسعى لترسيخ مكانتها كخيار استثماري بديل، لكنها تفتقر إلى الصلابة الكافية في فترات الأزمات الحادة.

وفي ضوء استمرار التوترات الحالية، يبقى المشهد مرشحًا لمزيد من التحولات، حيث ستواصل الأسواق اختبار مرونة هذه الأصول في ظل بيئة جيوسياسية مضطربة وتوقعات اقتصادية غامضة.

هل الموضوع مفيد؟
شكرا
اعرف / قارن / اطلب